في لحظات تتقاطع فيها مصائب الحياة مع بركاتها، تحوّلت حالة وفاة مفاجئة إلى مناسبة خيرٍ جَمَّت فيها النفوس، فكانت وفاة المتوفي سببًا في نفع الجميع. فقد تجلّى التماسك القبلي في أبهى صوره، إذ وقف كل فرد من أفراد القبيلة صفًا واحدًا لتأكيد قيمة تطبيق الدين الإسلامي وتنفيذ القانون كحق راسخ للدولة، مع اعتبار رضا الله غايةً سامية تفوق كل اعتبار دنيوي.
كان المشهد يبدأ بتلاحم كبار القبيلة، الذين جمعوا شمل كل فروع القبيلة في موقفٍ مشترك، مؤكدين أن الوحدة والاحترام المتبادل لا يعرفان حدودًا. كما ظهر تماسكٌ بين قبيلتي بلي والأرميلات، حيث تصافحت القلوب وتلاقت العقول لإعطاء كل صاحب حق حقه، بغية إرضاء الله قبل البشر.
وبعد سماع الحكم الشرعي الذي أكد حق المتضرر، تجلت روح العفو والغفران كقيمةٍ لا غنى عنها في مجتمعنا، فعفا صاحب الحق عن حقه لله، وفي مشهد لا يُنسى من رحمات الله، قُوبل العفو بإهداء رباني؛ فقد تبرّع أحد الحضور، الذي لا يعرف حتى أغلب أفراد قبيلته، بحجة كاملة للمتوفي على حسابه الخاص.
هذا كله كان تعبيرًا صادقًا عن إيمان الجميع بأن من يسعى لإرضاء الله لن يخيب أمله، وأن العفو الذي يُمنح من القلب يُضاعف في الدنيا والآخرة. إذ فرض الله في قلوبهم أن يكون لكل ذي حق حق، وأن يُترجم هذا الحق إلى أفعال ملموسة تشهد على وحدة الصف والنية الصادقة لرضا الله عز وجل فوق كل شيء.
حيث نبدأ قصتنا بتسلسل الاحداث لننقلكم الي الاحداث خطوه بخطوه
المتسبب في الحادث يبدا بشرح الاحداث
نتعرف عليه وعلي الواقعة منه
--من انت---
أنا سعيد احمود أبو عميرة البلوي، وهذا ما حدث.
بينما كنت أقود سيارتي الملاكي على أحد طرق محافظة الإسماعيلية، عائدًا من مناسبة احتفالية لأحد أقاربي وبرفقتي أفراد عائلتي، فوجئت بموقف مأساوي لم أكن لأتصوره. كنت أسير على طريق سريع لا توجد به ممرات للمشاة، وفجأة، وعلى مسافة قريبة جدًا، ظهر أمامي شخص يعبر الطريق بشكل مخالف.
لم أكن أملك أي فرصة لتفاديه، فقد كان قريبًا للغاية، ولم تسعفني المسافة القصيرة ولا سرعة رد الفعل. اصطدم جسده بسيارتي بقوة، وسقط على الفور. توقفت بعد مسافة قصيرة محاولًا استيعاب ما حدث، لكن عيني اتجهت فورًا إلى عائلتي داخل السيارة—النساء والأطفال الذين برفقتي. هنا بدأ الصراع في داخلي: هل أتركهم وأهرع لإنقاذ الرجل، أم أبتعد بهم إلى مكان آمن وأتصل بالإسعاف؟
في لحظات كهذه، تكون سرعة الأحداث أقوى من قدرة العقل على اتخاذ القرار. الصدمة كانت تملأ كياني، والحيرة تسيطر علي. لم أشأ التخلي عن مسؤوليتي تجاه الرجل الذي صدمته، لكنني في الوقت ذاته لم أكن لأجازف بسلامة عائلتي وسط الطريق.
وفي وسط ارتباكي، اقترب مني شخص وقال بصوت حاسم: "لقد توفي الرجل، لا فائدة من البقاء هنا الآن، اذهب فمعك نساء في السيارة."
كانت كلماته بمثابة صاعقة، لكنها جعلتني أدرك أنني أمام موقف لا يُحتمل. وجود عائلتي معي هو ما جعلني أتردد، وإلا لما ترددت لحظة في محاولة إنقاذه. لكني كنت خائفًا، فغالبًا في مثل هذه الحوادث، إذا فارق المصاب الحياة، قد يتحول غضب الناس إلى اعتداء على المتسبب في الحادث.
لم يكن هذا مجرد حادث… كانت لحظة غيرت كل شيء.
بمجرد وصول سعيدالي منزله ، أبلغ سعيد عائلته، وبدورها ذهبت لمكان الحادث والتحري عن المتوفي وبالفعل حصل علي رقم تليفون لاهل المتوفي ، ولاسم للمتوفي ويدعي نايف عودة السلالمه الأرميلات، وايضا حصلوا علي مقطع فيديو تم تصويرة من احدي الكاميرات التي تصادف حدوث الحادث بجوارها
فتواصل أخو سعيد الاكبر ويدعي احمود سالم أبو عميرة البلوي مع أهل المتوفى للتعريف بنفسه، وأخبرهم أن سعيد كان يقود السيارة وقت الحادث ومستعد لتحمل أي مسؤولية قانونية وشرعية وعرفيه . كما أكد أنه سيصطحب أخاه لتسليم نفسه للجهات المختصة في محافظة الإسماعيلية.
وبالفعل ذهب إلى النيابة العامة في القسم الخاص بالواقعه وتم عرض سعيد علي النيابه وقام بسرد القصه ، وايضا احضر لهم مقطع الفيديو الذي سجل لحظات حدوث الواقعه والتي بدورها وبعد مراجعة كاميرات المراقبة، تبيّن أن سعيد لم يتجاوز السرعة القانونية، بل كان أقل منها، ولم يرتكب أي مخالفة. وأظهر المقطع أن المتوفى عبر الطريق من مكان غير مخصص لعبور المشاة، مما أدى إلى وقوع الحادث.
ملحوظه
قبل وصول سعيد إلى النيابة، علم أن الواقعة تم تحُرير محضر ضد مجهول بخصوص الواقعة واصر علي الاكمال كان من الممكن أن ينسحب في هدؤ حيث لم يتمكن أحد من تحديد السيارة أو السائق. ورغم ذلك، ومن باب الأمانة والخوف من الله، سلّم سعيد نفسه وسيارته. وبعد مراجعة الأدلة والفيديو وفحص السيارة، قررت النيابة الإفراج عنه لعدم ثبوت أي مخالفة قانونية مع احالة الواقعة الي المحكمة
وذلك لاكمال التحقيق وهذا كان حق الدولة. إلا أن هذا لا يكفي وفق الأعراف البدوية في مصر، والاهم من كل شي شرع الله حتي يرضي الله قبل البشر، فذهب ليبحث عن الحق الشرعي و العرفي، الذي أصبح نادرًا في هذا الزمن من يراجع الله في مثل تلك الاحداث ، وقليل من يهتم بحق الله ، بل يهتمون ويخافون من العرف اكثر من حق الله للاسف
نكمل :
توجه سعيد وأخوه احمود برفقة أقاربهم من عائلة العمايرة إلى كبير قبيلة بلي وأكبر مجلس عرفي في مصر، الحاج أمين الشعراوي، وأخبروه بتفاصيل الحادث.
واول سؤال طرحه هل قمت بتسليم سعيد المتسبب في الحادث الي الجهات الحكومية، فتم الرد عليه من اقارب سعيد نعم وشرحوا له ما حدث
ونلفت نظركم ان ما حدث ليس أمرًا غير عادي بل تلك الحوادث شائعة جدا في مصر وغير مصر
ولكن سبب تركيزنا علي هذا الحادث خصوصا هو ما رايناه من احداث بعد ذلك
وهنا نلفت تركيزكم الي الدور البارز للمجالس العرفية في حل النزاعات داخل المجتمعات القبلية وخارجها، و هو ما يجعل هذا الحدث مختلفًا.
فالمجالس العرفية تحل المشاكل وفق أحكام الشرع والعرف، بما يضمن العدل والإنصاف للجميع.واصدار حق قوي وصارم وقابل للتنفيذ بكل بنوده دون رجعه فيه
والاهم هو من خاف الله فيما اقترفه من خطاء رغم ان ما ورد من احداث لم يخطاء اطلاقا المتسبب في الحادث بل كان الحادث فرض عليه فرض لا مفر منه ، وهذا كفيل بان يريح ضمير الكثيرين الذين لا يهتمون بالحق الشرعي الذي يمثله هنا المجلس العرفي،
بل الكثير لا يهتم حتي بحق الدوله واحترام قوانينها
حيث ما يهمه فقط ان يكون لا احد تعرف عليه وعلي سيارته ولا كاميرا قامت بتصويره ، وانه لم يتم التعرف عليه .
وبعد التاكد سيترك الامر بلا اي اهتمام ، هذا حال الكثير للاسف الا ما رحم ربي
فقصتنا بها الكثير من العبر والمواعظ
نكمل :
على الفور، قام الحاج أمين الشعراوي بالاتصال بأهل المتوفى، وعرّفهم بنفسه وبالمتسبب في الحادث، ثم سألوه هم ايضا عن حق الدولة وما إذا كان سعيد قد سلّم نفسه للجهات المختصة، فأكد لهم أنه نفّذ ذلك بالفعل.
بعد ذلك، توجه الحاج أمين الشعراوي إلى أهل المتوفى، وقدم لهم واجب العزاء، ثم استمع إلى مطالبهم، وكان أبرزها توفير ضامن (كفيل) يضمن تنفيذ أي حكم يصدر، سواء دية مالية أو أي مطالب أخرى.
بحسب العرف، فإن عائلة العمايرة (عائلة المتسبب) هي التي يجب أن تضع الضامن، إلا أن أهل المتوفى طالبوا بأن يكون الضامن أكبر شخصية في القبيلة ككل، وليس فقط من عائلة العمايرة، لضمان تنفيذ أي أحكام مستقبلية.حيث ان الحكم واضح تقريبا بان هناك ديه كامله لاهل المتوفي
وهذا سيكون مبلغ كبير يمكن ان يصل الي ملايين
فاغلب الناس تتهرب من الكفاله والضمانه لضخامة المبلغ الذي سيقع علي المتسبب في الحادث
ولكن من يراعي الله، سيرعاه الله. كن على حق، وإن أخطأت، فلن يتركك الله."
وهنا وبكل شجاعة ونبل، قرر الحاج أمين الشعراوي أن يكون الضامن الوحيد، وهو بالفعل أكبر شخصية في قبيلة بلي، وصاحب أكبر مجلس حل مشاكل عرفية على مستوى الجمهورية المصرية
وهنا تم تحديد موعد للحضور لجلسة تحكيم شرعية عرفية في دار الارميلات
وهنا جاء دور الجاهه
الجاهة وأهميتها في العرف القبلي
الجاهة تُعتبر من أهم العادات العرفية في المجتمع القبلي، حيث تُمارس عند صدور حكم بحق كبير على أحد الأطراف، خاصة في الأمور المالية أو القتل الخطأ. وعندما يتم الحكم بالدفع لطرف معين، تجتمع مشايخ القبيلة وكبارها للذهاب إلى صاحب الحق، ليس فقط لإظهار الاحترام والاهتمام، بل أيضًا لطلب التخفيف من الحكم كنوع من التقدير لمكانة الحاضرين.
يحظى كل من يحضر الجاهة بتقدير كبير، حيث يتم العفو عن جزء من المبلغ المحكوم به، مهما كان كبيرًا، تقديرًا لمن جاء وسعى في الإصلاح. وفي هذه الحالة، اجتمعت قبيلة بلي وتوجهت بالجاهة إلى بيت المتوفى نايف الأرميلات، في موقف يعكس التماسك القبلي والعرف السائد في هذه الحالات.
دور الكبير في القبيلة – الشيخ أمين الشعراوي نموذجًا
يُعد كبير القبيلة هو المحور الأساسي في مثل هذه المواقف، حيث لا يقتصر دوره على الكلام فقط، بل يتحمل المسؤولية الكاملة ويتصدر المشهد لحل النزاعات. الشيخ أمين الشعراوي البلوي ضرب مثالًا حيًا في هذا الموقف، حيث تقدم بالكفالة دون تردد، متحملاً مسؤولية مالية ضخمة أمام القبيلة الأخرى، مما يُجسد قيمة الكبير في العرف القبلي.
لم يكن وحده في هذا الموقف، فقد شاركه في هذا الحمل الثقيل كل من الحاج سلمان الأدميخي، والحاج عواد الأخشم، وجميع كبار قبيلة بلي، بالإضافة إلى كبير الأرميلات، وكبار مشايخ القبائل الأخرى. هذا الموقف يؤكد أن الكبار في القبائل ليسوا مجرد ألقاب، بل هم أصحاب قرارات وتضحيات.
قوة الكلمة في العرف القبلي والدين الإسلامي
في المجتمع القبلي، الكلمة أقوى من أي مستند رسمي، وهي بمثابة عهد لا يُنكث. فمجرد أن يقول أحدهم "أنا كفيل" أو "أناضامن"، يصبح ملزمًا بتحمل المسؤولية كاملة دون الحاجة إلى أي ورقة أو توقيع.
هذا المفهوم يتوافق تمامًا مع تعاليم الدين الإسلامي، حيث للكلمة تأثير عظيم على حياة الإنسان، ويمكن أن تكون سببًا في دخوله الجنة أو النار. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ" (رواه البخاري ومسلم).
وقال تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (سورة ق، الآية 18)، مما يوضح مدى خطورة وأهمية الكلمة في حياة الإنسان.
استقبال قبيلة الأرميلات لقبيلة بلي
رغم أن قبيلة الأرميلات كانت أهل المتوفى وصاحبة الحق، إلا أنها لم تبخل في رد التقدير بالاحترام والتكريم، فقد استقبلت قبيلة بلي استقبالًا يليق بهم، مما زاد من مكانتها وعزتها. هذا التصرف يعكس مبدأ "التقدير يُرد بالتقدير"، ويُظهر مدى التماسك والاحترام المتبادل بين القبائل.
ذهبت الجاهه في الميعاد المحدد الي قبيلة الأرميلات ويتراسهم كبار قبيلة بلي
وبالاخص الحج امين الشعراوي
وبدأت أحداث الجلسة، حيث قام كبير الأرميلات بالسؤال عن الكفيل أولاً. فرد عليه الحج أمين الشعراوي بالتعريف بنفسه، وهو غني عن التعريف، ولكنه عرف نفسه بأنه "الكفيل لكم فيما يخرج من حق". وسُئل عن المتسبب في الحادث، فرد بأنّه موجود.
ثم جاء دور شيخ وقامة من قامات الأزهر، الشيخ محمد ذكي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف، ورئيس لجنة الفتوى الرئيسة في الجامع الأزهر، وخطيب الجامع الأزهر. وهنا ظهر دور التناسك بين المجتمعات القبلية والدولة ومن يمثلها، والأهم هو دور الشرع.
فتلى بعض الآيات التي تتحدث عن الواقعة، وبدأ بسؤال الطرف المتعدي والاستماع إلى التفاصيل، ثم استمع للطرف الآخر، أهل المتوفي. وبعد التيقن من أن القتل تم عن طريق الخطأ، أصدر حكمه الشرعي بدفع دية لأهل المتوفي، وقام بسرد الدية: كم تكون بالذهب وكم بالفضة وكم بالإبل وكم بالماعز.
وكان هناك سرد من الشيخ محمد ذكي للتفاصيل من أروع ما رأيت، مع فيديو مرفق من اليوتيوب خاص بموقع "منارة العقول" به التفاصيل صوتًا وصورة. أكمل الشيخ ونطق الحكم، وأخذ بأوسط الأمور، فقام بحسابها بالفضة، فهو أوسط الأمور كما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ناخذ بأوسط الأمور. ثم حولها من فضة إلى أموال، فكانت أكثر من مليون و400 ألف جنيه مصري.
ثم بعد اصدار الحكم
قام بالخطبة في الجمع، وكانت أكثر من رائعة؛ تتحدث عن العفو وثوابه، وعن احترام حقوق الناس، وعن إحياء سنة نبوية من السنن الهامة التي تعطي كل ذي حق حقه. وبعد إصدار حكم الأزهر الشريف في هذا الموقف، جاءت مفاجأة كبرى، بل من أروع المفاجآت التي رأيتها:
• قام ابن المتوفي بالعفو عن الدية تمامًا والاستعداد للتصالح أمام الجهات الحكومية وفي تخليص الأوراق اللازمة مهما كانت.
• وكان هذا أروع ما قيل، وأروع مثال للتماسك بين القبائل البدوية.
هل هكذا انتهت قصتنا؟ لا، بالطبع لا. فهذه القصة من أروع ما رأيت في حياتي؛ تكامل لم أره في حياتي بهذا الشكل.
والمفاجأة الأكبر كانت تبرّع أحد الحضور، الشيخ فيصل البلوي من المملكة العربية السعودية، بحجه كامله للمتوفي هذا العام. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟! لقد تبرّع به لوجه الله ومكافأةً للعفو الذي أعفاه ابن المتوفي. وهنا نجد أن التماسك ليس مقتصرًا على جمهورية مصر العربية فحسب، بل يمتد إلى السعودية وجميع البلدان العربية. ونلفت أن المتبرّع لا يعرف المتوفي شخصيًا ولا حتى أهله، ولا يعرف المتسبب في حالة الوفاة ولا أهله، بل هي نخوة وكرم من أهل الخير، خالصة لله دون أي سبب آخر.
فكلنا تفاجأنا، فمن باب أولى أن يقوم أهل المتسبب في الوفاة بهذا التصرف، وكان لديهم النية لفعل ذلك إذا حدث العفو. ولكن سبق الجميع شخص يريد رضا الله لا رضا البشر، بالتبرّع بالحجة لهذا المتوفي لتكون هدية هذا العام.
وأما ما لفت نظري، وأنا مسؤول عن موقع "منارة العقول" وموقع "العقول الراقية"، فهو سؤالٌ عميق:
ما الذي بينك وبين الله يا نايف الأرميلات؟ ماذا كنت تقدم من طاعات لتجعل وفاتك سببًا في جمع وتآلف القبيلتين والتسامح بينهما، ثم يخرج من يرسل له حجة في قبره؟ أي، لا ذنب عليك بعد هذا أن قبلت، وإن شاء الله تُقبل. فمن حج وتقبل الله حجته، وكانت من مالٍ حلال، فهي تغفر جميع الذنوب والخطايا وترجع الشخص كما ولدته أمه. هذا إذا كان في حياته يُغفر له ما سبق، ولكن هنا الحجة لشخص متوفي؛ أي لن يرتكب ذنبًا بعد هذه الحجة، بحكم أنه خرج من حسابات الدنيا التي نفعل فيها الذنوب.
فما الذي بينك وبين الله يا نايف حتى يكون موتك سببًا في الكثير من الخير له ولغيره؟ ما أجمل وأروع التسامح والعفو! ما أجمل الالتزام بأوامر الله ورسوله! ما أروع الوفاة التي تكون سببًا لفعل الخير من كل الحضور! ما أجمل أن تخاف من الله وتأتي لترى الحكم عليك، وأن تكون مستعدًا لدفع ما يصدره الحاكم من مبالغ مالية كبيرة أو غيرها عليك! ما أجمل أن تقول: "أنا أخطأت أمام الله وليس أمام الناس فقط!"، وما أجمل أن تبحث عن الحق لتعطيه لأصحابه، رغم أن الكثير من الحالات لا تهتم، خاصة إذا لم يتعرف عليه أحد.
وأيضًا، لقناعته أنه لم يخطئ أمام القانون والناس، فإن الواقعة هنا لم يكن لدي المتسبب أدنى شكٍ بأنه لم يخطئ؛ بل فعل كل ما بوسعه بحسابات الدنيا لتفادي الشخص المتوفي، ولكن هنا اهتم بحسابات الآخرة وخوف من الله فقط. وأخذ بكل الأسباب التي تُبريئه أمام الله.
هذا ما كان همه الأكبر هو رضا الله. ولكن رد عليه الله قائلاً: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟" صدقت يا من خلقت السموات والأرض! كان من الممكن أن يُدفع هذا المبلغ، وهو ليس بالقليل في هذا الوقت، ويتحمل المتسبب أكثر من مليون و400 ألف، ولكن جاء المتسبب للإحسان وبالإحسان. فرد عليه الله بعفو من صاحب الشأن له، ورد له الإحسان بالإحسان. سبحان الله في كرمه لعباده.
خاتمة
ما حدث بين قبيلتي بلي والأرميلات يعكس صورة حية من قيم المجتمع القبلي، حيث يُحترم الكبير، وتُقدر الجاهة، وتُحفظ العهود بالكلمة قبل أي مستند. هذا التماسك الاجتماعي القائم على المروءة والنخوة والعرف المستمد من الدين الإسلامي هو ما يجعل هذه القبائل قوية ومتماسكة عبر الزمن.
جزاكم الله خيرًا جميعًا، والحمد لله الذي أرانا فضله في هذه الواقعة.
تعليقات
إرسال تعليق
شرفتنا بمرورك